المصادمات لم تعد بين مؤيدين ومعارضين ، صارت المصادمات للأسف بين أكل عيش لايحتمل الانتظار ومطالب سياسية من الممكن أن تنتظر ، صارت المعركة بين البطن والحنجرة ، بطن قرصها الجوع وحنجرة أجهدها الهتاف ، نجحوا فى مصادرة حلم الحرية الرائع بمطالب العيشة الضاغطة ، قتل الحلم فارق التوقيت ، السلطة تتحرك وتستجيب بفارق توقيت كالسلحفاة ، والمتظاهرون قرروا الرحيل عن ميدان التحرير بفارق توقيت متأخر لم يقرأ الواقع الاقتصادى الضنك الضاغط على الفريق الذى كان صامتاً يشجعهم على البعد ولكنه لكى يكمل التشجيع والتأييد محتاج الى بنزين الأمل .

وجهة نظر فريق أكل العيش الذى فهم واقتنع بأن من هم فى ميدان التحرير هم سبب شلله الاقتصادى الحالى ومجاعته القادمة ، وجهة نظر هذا الفريق أن هتاف المظاهرات يحرك ولكنه لاينفع فى التفاوض ، وهو قد حرك فعلاً ، وحصل على مكاسب فعلاً ، ولكن التفاوض السياسي به قدر كبير من الفصال حتى الوصول الى سقف مناسب ، والمشكلة التى أحسستها فى لغة رجل الشارع البسيط الذى توقف عمله وأغتيل أكل عيشه أنه أولاً لم يفهم أن نظام الحزب الوطنى هو جذر هذه المشكلة الاقتصادية ، وثانياً وهو الأخطر أنه قد تم تصدير صورة مستفزة من المتمسكين بكراسيهم الى رجل الشارع بأن المتظاهرين فى ميدان التحرير هم ناس " ايليت " و " أرستقراط " و " مستريحين " ، يعنى باختصار مش حاسين بهمومك ياغلبان ، ولابد ياأيها الغلبان ياللى مالكش فى النت أو الفيسبوك أوخلافه أن تثور عليهم لتنقذ أكل عيشك ! ، وهنا اشتعلت نار الانقسام والفرقه ، وبردت المساندة وتجمد الدعم وصار جليداً .

وجهة نظر فريق المتظاهرين من أجل الحرية واسقاط النظام ، أن الحرية تستحق منا أن نشد الحزام على بطوننا لفترة وقد جربنا شد الحزام من قبل بعد 1967 ، وهاهى تونس تحتمل شد الحزام من أجل فك قيود القمع ، وأن المكاسب الرائعة التى وصلنا اليها من السهل جداً الالتفاف عليها ، لكن مصر ذات الخمسة وثمانين مليوناً غير تونس ذات الثلاثة ملايين وأيضاً غير مصر الستينات ذات العشرين مليون ، شد الحزام الآن لايحتمل أكثر من أسبوع ، الصدر صار أكثر ضيقاً ، وسقف المطالب الاقتصادية صار أكثر ارتفاعاً ، وحمى المقارنة تعصف بعقول الجميع ، وتعريف الجوع نفسه اختلف ، فالمصرى الذى كان يحتمل اختفاء الجبن ذى الصنف الواحد فى الستينات صار لايحتمل اختفاء الزبادى الألف صنف فى التسعينات ، ومن كان حلمه السيارة الفيات القرده الألف وميه فى الستينات صار حزيناً الآن لأنه مرغم على ركوب المانيوال !،ودخول الطبقة الوسطى الى نادى الفقراء وسع من دائرة المتضررين ، هناك رقمان لم يدخلا فى حسبة ميدان التحرير ، ستة مليون معاش ينتظرون فتح البنوك وستة مليون عامل يومية لم يقبضوا يومياتهم منذ عشرة أيام ! ، مجموعهم فقط يقترب من عدد سكان مصر قبل حرب 67 ! ، المصرى كان متفهماً لشد الحزام سنوات من أجل الحرب ولكنه ليس على استعداد لشد الحزام أسبوع من أجل اصلاحات سياسية .

قتلنا فارق التوقيت مابين سلحفاة النظام وبطء استجابته ، ومابين توقيت الانسحاب المتأخر من ميدان التحرير وسرقة الاخوان وأحزاب الكرتون لبراءة الحلم العظيم وتحويله الى كابوس .